إصدارات المركز الإعلامي للإخوان المسلمين

 

 

الملهم الموهوب

 

صفحتنا بيضاء

 

أبحاث ودراسات

 

من معين التربية الإخوانية

 المركز الإعلامي للإخوان المسلمين

10  - 3 - 2023م

  18 شعبان 1444 هـ

العدد 1198

 

رسالة الأسبوع

 

 

نظرات في الإسراء والمعراج

 

الإمام الشهيد حسن البنا

 

نحمد الله تبارك وتعالى، ونُصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد ...

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ...

نحمد الله تبارك وتعالى على تهيئة هذه الفرصة التي اجتمعنا فيها لإحياء ذكرى جليلة ومحببة إلى القلوب، تلك هي ذكرى (الإسراء والمعراج) توافينا كل عام في مثل هذا الشهر الفاضل رجب الفرد، وهو شهر مبارك، أوقاته تشريفات ربانية، من كان محسنًا زاده الله إحسانًا فيه، ومن كان مُسيئًا فتح له باب القبول في هذا الشهر المبارك، في سَعَة وكرم.

ولن نتناول هنا الإسراء والمعراج بالشرح والتفصيل، فكلّكم تسمعون عنها، إنما هي نظرات سريعة، فالإسراء رحلة قام بها النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والمعراج رحلة سماوية، قام بها صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السموات العُلى.

الرحلتان كانتا في ليلة واحدة، وباشرهما الرسول الكريم كإنسان كامل، وقد أشار القرآن إلى القصة في سورة الإسراء، وبعضُ الناس يقف عند القِصَّة وقْفةَ تأمُّل أو تردُّد، فيسأل: هل تتفق القصة ونواميس الله في خلقه، فيكون هناك إنسان خُلق من لَحم ودم ويحتاج لكل مقومات المادية، ثم يصعد إلى السموات، مع أننا نعلم تخلخل الهواء في مكان معلوم، وفقدان "الأوكسجين" في نقطة معلومة؟ كنا نقول لهؤلاء هي قُدرة الله تعالى، وسعت كل شيء فهو أمر ممكن لا يستحيل على قدرته تعالى، ولكن ... هل أحطتم بكل العلم شاردِه وواردِه؟

الواقع أيها الإخوان أن العلم الحديث قد كشف تعليل ذلك في أن الإنسان فيه عنصر آخر غير عناصر المادة، ذلك هو العنصر النفساني، الذي يُطلق عليه عالم الروح والنفس، ولو كان العلم لم يصِل بعد لحقيقته، فإنه قد وصل إلى أن الروح لها من القدرة على الجسم ما تستطيع به أن تؤثر عليه وتحتجزه فتخضعه لقوانينها، لا لقوانين المادة، والواقع أن بعض الحوادث تفسر لنا ذلك، فهناك بعضٌ من صوفية الهند يستطيع أن يتحكَّم في جسمه بقوة روحه، ويمكث أسبوعًا، وعندنا التنويم المغناطيسي الذي يجعل الروح تسيطر على الجسم.

فالذي حدث في قصة (الإسراء والمعراج) أن الله تعالى أفَاضَ على نبيِّه الكريم قوةً روحيةً عُظمى، تحكمت في جسمه وسيطرت عليه، وليس معنى هذا أنه أُسري بالجسم دون الروح، وإنما أُسري بالروح والجسم، وبعض الناس يتساءلون: وما حكمة الإسراء والمعراج؟

وأعتقد أن الإسراء والمعراج مادة أساسية في منهاج التربية الإلهية، وذلك أن الله تعالى أعد رسوله الكريم ليكون سيد المربّين والمعلّمين، فلابد أن يكون بمنزلة من العلم تفوق أيَّ منزلة سواها من منازل البشر؛ ولهذا طاف الله به السموات ليكون إيمانُه رؤيةً ومشاهدةً، وليس إيمانًا نظريًا، وهناك حكمة أخرى فيها سموّ القدر وجلال المنزلة، فالحق تبارك وتعالى قد فرض الصلاة على المسلمين ليلة الإسراء والمعراج، ولم يشأ فرضها عن طريق الوحي كغيرها من الفرائض، وإنما استدعى نبيه الكريم؛ ليبين للنَّاس أن الصلاة جليلة القدر، عظيمة المكانة، وأنها مادة أساسية في منهاج التربية الإسلامية، فهي نظافة ونشاط وصحة وعلم وأخلاق.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

 © 2023 جميع الحقوق محفوظة للمركز الإعلامي للإخوان المسلمين